Published
0 121 0
القسم الأول من الفصل التاسع و العشرون علم أسرار الحروف و هو المسمى لهذا العهد بالسيميا. نقل وضعه من الطلسمات إليه في اصطلاح أهل التصرف من المتصوفة، فاستعمل استعمال العام في الخاص. و حدث هذا العلم في الملة بعد صدر منها، و عند ظهور الغلاة من المتصوفة و جنوحهم إلى كشف حجاب الحس، و ظهور الخوارق على أيديهم و التصرفات في عالم العناصر، و تدوين الكتب و الاصطلاحات، و مزاعمهم في تنزل الوجود عن الواحد و ترتيبه. و زعموا أن الكمال الإسمائي مظاهره أرواح الأفلاك و الكواكب، و أن طبائع الحروف و أسرارها سارية في الأسماء، فهي سارية في الأكوان على هذا النظام. و الأكوان من لدن الإبداع الأول تتنقل في أطواره و تعرب عن أسراره، فحدث لذلك علم أسرار الحروف، و هو من تفاريع علم السيمياء لا يوقف على موضوعه و لا تحاط بالعدد مسائله. تعددت فيه تآليف البوني و ابن العربي و غيرهما ممن اتبع آثارهما. و حاصلة عندهم و ثمرته تصرف النفوس الربانية في عالم الطبيعة بالأسماء الحسنى و الكلمات الإلهية الناشئة عن الحروف المحيطة بالأسرار السارية في الأكوان. ثم اختلفوا في سر التصرف الذي في الحروف بما هو: فمنهم من جعله للمزاج الذي فيه، و قسم الحروف بقسمة الطبائع إلى أربعة أصناف كما للعناصر. و اختصت كل طبيعة بصنف من الحروف يقع التصرف في طبيعتها فعلا و انفعالا بذلك الصنف، فتنوعت الحروف بقانون صناعي يسمونه التكسير إلى نارية و هوائية و مائية و ترابية على حسب تنوع العناصر، فالألف للنار و الباء للهواء والجيم للماء والدال للتراب. ثم ترجع كذلك على التوالي من الحروف و العناصر إلى أن تنفذ. فتعين لعنصر النار حروف سبعة: الألف و الهاء و الطاء و الميم و الفاء والسين و الذال، و تعين لعنصر الهواء سبعة أيضا: الباء و الواو و الياء و النون و الضاد والتاء و الظاء، و تعين لعنصر الماء أيضا سبعة: الجيم و الزاي و الكاف و الصاد والقاف و الثاء و الغين، و تعين لعنصر التراب أيضا سبعة: الدال و الحاء و اللام و العين و الراء و الخاء و الشين. و الحروف النارية لدفع الأمراض الباردة و لمضاعفة قوة الحرارة حيث تطلب مضاعفتها، إما حسا أو حكما. كما في تضيف قوى المريخ في الحروب في القتل و الفتك. و المائية أيضا لدفع الأمراض الحارة من حميات و غيرها و لتضعيف القوى الباردة حيث تطلب مضاعفتها حسا أو حكما، كتضعيف قوى القمر و أمثال ذلك. و منهم من جعل سر التصرف الذي في الحروف للنسبة العددية: فإن حروف أبجد دالة على أعدادها المتعارفة وضعا و طبعا فبينها من أجل تناسب الأعداد تناسب في نفسها أيضا، كما بين الباء و الكاف و الراء لدلالتها كلها على الاثنين كل في مرتبته، فالباء على اثنين في مرتبة الآحاد، و الكاف على اثنين في مرتبة العشرات، و الراء على اثنين في مرتبة المئين. و كالذي بينها و بين الدال و الميم والتاء لدلالتها على الأربعة، و بين الأربعة و الاثنين نسبة الضعف. و خرج للأسماء أوفاق كما للأعداد يختص كل صنف من الحروف بصنف من الأوفاق الذي يناسبه من حيث عدد الشكل أو عدد الحروف، و امتزج التصرف من السر الحرفي و السر العددي لأجل التناسب الذي بينهما. فأما سر التناسب الذي بين هذه الحروف و أمزجة الطبائع، أو بين الحروف و الأعداد، فأمر عسير على الفهم، إذ ليس من قبيل العلوم و القياسات، و إنما مستندهم فيه الذوق و الكشف. قال البوني: و لا تظن أن سر الحروف مما يتوصل إليه بالقياس العقلي، و إنما هو بطريق المشاهدة و التوفيق الإلهي. و أما التصرف في عالم الطبيعة بهذه الحروف و الأسماء المركبة فيها و تأثر الأكوان عن ذلك فأمر لا ينكر لثبوته عن كثير منهم تواترا. و قد يظن أن تصرف هؤلاء و تصرف أصحاب الطلسمات واحد، و ليس كذلك، فإن حقيقة الطلسم و تأثيره على ما حققه أهله أنة قوى روحانية من جوهر القهر، تفعل فيما له ركب فعل غلبة و قهر. بأسرار فلكية و نسب عددية و بخورات جالبات لروحانية ذلك الطلسم، مشدودة فيه بالهمة، فائدتها ربط الطبائع العلوية بالطبائع السفلية، و هو عندهم كالخميرة المركبة من هوائية و أرضية و مائية و نارية حاصلة في جملتها، تخيل و تصرف ما حصلت فيه إلى ذاتها و تقلبه إلى صورتها. و كذلك الإكسير للأجسام المعدنية كالخميرة تقلب المعدن الذي تسري فيه إلى نفسها بالإحالة. و لذلك يقولون: موضوع الكمياء جسد في جسد لأن الإكسير أجزاؤه كلها جسدانية. و يقولون: موضوع الطلسم روح في جسد لأنه ربط الطبائع العلوية بالطبائع السفلية. و الطبائع السفلية جسد و الطبائع العلوية روحانية. و تحقيق الفرق بين تصرف أهل الطلسمات و أهل الأسماء، بعد أن تعلم أن التصرف في عالم الطبيعة كله إنما هو للنفس الإنسانية والهمم البشرية أن النفس الإنسانية محيطة بالطبيعة و حاكمة عليها با الذات، إلا أن تصرف أهل الطلسمات إنما هو في استنزال روحانية الأفلاك و ربطها بالصور أو بالنسب العددية. حتى يحصل من ذلك نوع مزاج يفعل الإحالة و القلب بطبيعته، فعل الخميرة فيما حصلت فيه. و تصرف أصحاب الأسماء إنما هو بما حصل لهم بالمجاهدة و الكشف من النور الإلهي و الإمداد الرباني، فيسخر الطبيعة لذلك طائعة غير مستعصية، و لا يحتاج إلى مدد من القوى الفلكية و لا غيرها، لأن مدده أعلى منها. و يحتاج أهل الطلسمات إلى قليل من الرياضة تفيد النفس قوة على استنزال روحانية الأفلاك. و أهون بها وجهة و رياضة. بخلاف أهل الأسماء فإن رياضتهم هي الرياضة الكبرى، و ليست لقصد التصرف في الأكوان إذ هو حجاب. و إنما التصرف حاصل لهم بالعرض، كرامة من كرامات الله لهم. فإن خلا صاحب الأسماء عن معرفة أسرار الله و حقائق الملكوت، الذي هو نتيجة المشاهدة والكشف، و اقتصر على مناسبات الأسماء و طبائع الحروف و الكلمات. و تصرف بها من هذه الحيثية و هؤلاء هم أهل السيياء في المشهور كأن إذا لا فرق بينه و بين صاحب الطلسمات، بل صاحب الطلسمات أوثق منه لأنه يرجع إلى أصول طبيعية علمية و قوانين مرتبة. و أما صاحب أسرار الأسماء إذا فاته الكشف الذي يطلع به على حقائق الكلمات و آثار المناسبات بفوات الخلوص في الوجهة، و ليس له في العلوم الاصطلاحية قانون برهاني يعول عليه يكون حاله أضعف رتبة. و قد يمزج صاحب الأسماء قوى الكلمات و الأسماء بقوى الكواكب، فيعين لذكر الأسماء الحسنى، أو ما يرسم من أوفاقها، بل و لسائر الأسماء، أوقاتا تكون من حظوظ الكواكب الذي يناسب ذلك الاسم، كما فعله البوني في كتايه الذي سماه الأنماط. و هذه المناسبة عندهم هي من لدن الحضرة العمائية. و هي برزخية الكمال الأسماني. و إنما تنزل تفصيلها في الحقائق على ما هي عليه من المناسبة. و إثبات هذه المناسبة عندهم إنما هو بحكم المشاهدة. فإذا خلا صاحب الأسماء عن تلك المشاهدة، و تلقى تلك المناسبة تقليدا، كان عمله بمثابة عمل صاجب الطلسم، بل هوأوثق منه كما قلناه. و كذلك قد يمزج أيضا صاحب الطلسمات عمله و قوى كواكبه بقوى الدعوات المؤلفة من الكلمات المخصوصة لمناسبة بين الكلمات و الكواكب، إلا أن مناسبة الكلمات عندهم ليست كما هي عند أصحاب الأسماء من الاطلاع في حال المشاهدة، و إنما يرجع إلى ما اقتضته أصول طريقتهم السحرية. من اقتسام الكواكب لجميع ما في عالم المكونات، من جواهر و أعراض و ذوات و معان، و الحروف و الأسماء من جملة ما فيه. فلكل واحد من الكواكب قسم منها يخصه، و يبنون على ذلك مباني غريبة منكرة من تقسيم سورالقرآن و آيه على هذا النحو، كما فعله مسلمة المجريطي في الغاية. و الظاهر من حال البوني في أنماطه أنه اعتبر طريقتهم. فإن تلك الأنماط إذا تصفحتها، و تصفحت الدعوات التي تضمنتها. و تقسيمها على ساعات الكواكب السبعة، ثم وقفت على الغاية، و تصفحت قيامات الكواكب التي فيها، و هي الدعوات التي تختص بكل كوكب، و يسمونها قيامات الكواكب، أي الدعوة التي يقام له بها، شهد له ذلك: إما بأنه من مادتها، أو بأن التناسب الذي كان في أصل الإبداع و برزخ العلم قضى بذلك كله. "و ما أوتيتم من العلم إلا قليلا". و ليس كل ما حرمه الشارع من العلوم بمنكر الثبوت، فقد ثبت أن السحر حق مع حظره. لكن حسبنا من العلم ما علمنا. و من فروع علم السيمياء عندهم استخراج الأجوبة من الأسئلة، بارتباطات ش بين الكلمات حرفية، يوهمون أنها أصل في معرفة ما يحاولون علمه من الكائنات الاستقبالية، و إنما هي شبه المعاياة و المسائل السيالة. و لهم في ذلك كلام كثير من أدعية و أوراد. و أعجبه زايرجة العالم للسبتي و قد تقدم ذكرها. و نبين هنا ما ذكروه في كيفية العمل بتلك الزايرجة بدائرتها و جدولها المكتوب حولها، ثم نكشف عن الحق فيها و أنها ليست من الغيب. و إنما هي مطابقة بين مسئلة و جوابها في الإفادة فقط، و قد أشرنا إلى ذلك من قبل. و ليس عندنا رواية يعول عليها في صحة هذه القصيدة إلا أننا تحرينا أصح النسخ منها في ظاهر الأمر. و الله الموفق بمنه. و هي هذه: يقول سبيتي و يحمد ربه ///// مصل على هاد إلى الناس أرسلا محمد المبعوث خاتم الأنبيا ///// و يرضى عن الصحب و من لهم تلا ألا هذه زايرجة العالم الذي ///// تراه بحيكم و بالعقل قد خلا فمن أحكم الوضع فيحكم جسمه ///// و يدرك أحكاما تدبرها العلا و من أحكم الربط فيدرك قوة ///// و يدرك للتقوى و للكل حاصل ومن أحكم التصريف يحكم سره ///// و يعقل نفسه و صح له الولا و في عالم الأمر تراه محققا ///// و هذا مقام من بالأذكار كملا فهذي سرائر عليكم بكتمها ///// أقمها دوائر وللحاء عدلا فطاء لها عرش و فيظ نقوشنا ///// بنظم و نثر قبد تراه مجدولا و نسب دوائر كنسبة فلكها ///// و ارسم كواكبا لأدراجها العلا و أخرج لأوتار و ارسم حروفها ///// و كور بمثله على حد من خلا أقم شكل زيرهم و سو بيوته ///// و حقق بهامهم و نورهم جلا و حصل علوما للطباع مهندسا ///// و علما لموسيقى و الأرباع مثلا و سو لموسيقى و علم حروفهم ///// و علم بآلات فحقق و حصلا و سو دوائرها و نسب حروفها ///// و عالمها أطلق و الأقليم جدولا أمير لنا فهو نهاية دولة ///// زناتية آبت و حكم لها خلا و قطر لأندلس فابن لهودهم ///// و جاء بنو نصر و ظفرهم تلا ملوك و فرسان و أهل لحكمة ///// فإن شئت نصبتهم و قطرهم حلا و مهدي توحيد بتونس حكمهم ///// ملوك بالمشرق بالأوفاق نزلا و اقسم على القطر و كن متفقدا ///// فإن شئت للروم فبالحر شكلا ففنش و برشنون الراء حرفهم ///// و إفرنسهم دال و بالطاء كملا ملوك كناوة دلوا لقافهم ///// و إعرب قومنا بترقيق أعملا فهند حباشي و سند فهرمس ///// و فرس ططاري و ما بعدهم طلا فقيصرهم جاء و يزدجردهم ///// لكاف و قبطهم بلامه طولا و عباس كلهم شريف معظم ///// و لكن تركي بذا الفعل عطلا فإن شئت تدقيق الملوك و كلهم ///// فختم بيوتا ثم نسب و جدولا على حكم قانون الحروف و علمها ///// و علم طبائعها و كله مثلا فمن علم العلوم تعلم علمنا ///// و يعلم أسرار الوجود و أكملا فيرسخ علمه و يعرف ربه ///// و علم ملاحيم بحاميم فصلا و حيث أتى اسم و العروض يشقه ///// فحكم الحكيم فيه قطهعا ليقتلا و تأتيك أحرف فسو لضربها ///// و أحرف سيبويه تأتيك فيصلا فمكن بتنكير و قابل و عوضن ///// بترنيمك الغالي للأجزاء خلخلا و في العقد و المجزور يعرف غالبا ///// و زد لمح وصفيه في العقل فعلا و اختر لمطلع و سويه رتبة ///// و اعكس بجذبيه و بالدور عدلا ؟ و يدركها المرء فيبلغ قصده ///// و تعطي حروفها و في نظمها انجلا إذا كان سعد و الكواكب اسعدت ///// فحسبك في الملك و نيل اسمه العلا و إيقاع دالهم بمرموز ثممة ///// فنسب دنادينا تجد فيه منهلا و أوتار زيرهم فللحاء بمهم ///// و مثناهم المثلث بجيمه قد جلا و أدخل بأفلاك و عدل بجدول ///// و أرسم أباجاد و باقيه جملا و جوز شذوذ النو تجري و مثله ///// أتى في عروض الشعر عن جملة ملا فأصل لديننا و أصل لفقهنا ///// و علم لنحونا فاحفظ و حصلا فادخل لفسطاط على الوفق جذره ///// و سبح باسمه و كبر و هللا فتخرج أبياتا و في كل مطلب ///// بنظم طبيعي و سر من العلا و تفنى بحصرها كذا حكم عدهم ///// فعلم الفواتيح ترى فيه منهلا فتخرج أبياتا و عشرون ضعفت ///// من الألف طبعيا فيا صاح جدولا تريك صنائعا من الضرب أكملت ///// فصح لك المنى و صح لك العلا و سجع بزيرهم و أثني بنقرة ///// أقمها دوائر الزير و حصلا أقمها بأوفاق و أصل لعدها ///// من أسرار أحرفهم فعذبه سلسلا