Published
0 246 0
الفصل الرابع و الخمسون في ابتداء الدول و الأمم و في الكلام على الملاحم و الكشف عن مسمى الجفر إعلم أن من خواص النفوس البشرية التشوق إلى عواقب أمورهم و علم ما يحدث لهم من حياة و موت و خير و شر سيما الحوادث العامة كمعرفة ما بقي من الدنيا و معرفة مدد الدول أو تفاوتها و التطلع إلى هذا طبيعة مجبولون عليها و لذلك تجد الكثير من الناس يتشوقون إلى الوقوف على ذلك في المنام و الأخبار من الكهان لمن قصدهم بمثل ذلك من الملوك و السوقة معروفة و لقد نجد في المدن صنفاً من الناس ينتحلون المعاش من ذلك لعلمهم بحرص الناس عليه فينتصبون لهم في الطرقات و الدكاكين يتعرضون لمن يسألهم عنه فتغدو عليهم و تروح نسوان المدينة و صبيانها و كثير من ضعفاء العقول يستكشفون عواقب أمرهم في الكسب و الجاه و المعاش و المعاشرة و العداوة و أمثال ذلك ما بين خط في الرمل و يسمونه المنجم و طرفي بالحصى و الحبوب و يسمونه الحاسب و نظر في المرايا و المياه و يسمونه ضارب المندل و هو من المنكرات الفاشية في الأمصار لما تقرر في الشريعة من ذم ذلك و إن البشر محجوبون عن الغيب إلا من أطلعه الله عليه من عنده في نوم أو ولاية. و أكثر ما يعتني بذلك و يتطلع إليه الأمراء و الملوك في آماد دولتهم و لذلك انصرفت العناية من أهل العلم إليه و كل أمة من الأمم يوجد لهم كلام من كاهن أو منجم أو ولي في مثل ذلك من ملك يرتقبونه أو دولة يحدثون أنفسهم بها و ما يحدث لهم من الحرب و الملاحم و مدة بقاء الدولة و عدد الملوك فيها و التعرض لأسمائهم و يسمى مثل ذلك الحدثان و كان في العرب الكهان و العرافون يرجعون إليهم في ذلك و قد أخبروا بما سيكون للعرب من الملك و الدولة كما وقع لشق و سطيح في تأويل رؤيا ربيعة بن نصر من ملوك اليمن أخبرهم بملك الحبشة بلادهم ثم رجوعها إليهم ثم ظهر الملك و الدولة للعرب من بعد ذلك و كذا تأويل سطيح لرؤيا الموبذان حيث بعث إليه كسرى بها مع عند المسيح و أخبرهم بظهور دولة العرب. و كذا كان في جيل البربر كهان من أشهرهم موسى بن صالح من بني يفرن و يقال من غمرة له كلمات حدثانية على طريقة الشر برطانتهم و فيها حدثان كثير و معظمة فيما يكون. لزناتة من الملك و الدولة بالمغرب و هي متداولة بين أهل الجيل و هم يزعمون تارة أنه ولي و تارة أنه كاهن و قد يزعم بعض مزاعمهم أنه كان نبياً لأن تاريخه عندهم قبل الهجرة بكثير و الله أعلم. و قد يستند الجيل إلى خبر الأنبياء أن كان لعهدهم كما وقع لبني إسرائيل فإن أنبياءهم المتعاقبين فيهم كانوا يخبرونهم بمثله عندما يعنونهم في السؤال عنه. و أما في الدولة الإسلامية فوقع منه كثير فيما يرجع إلى بقاء الدنيا و مدتها على العموم و فيما يرجع إلى الدولة و أعمارها على الخصوص و كان المعتمد في ذلك في صدر الإسلام لآثار منقولة عن الصحابة و خصوصاً مسلمة بني إسرائيل مثل كعب الأخبار و وهب بن منبه و أمثالهما و ربما اقتبسوا بعض ذلك من ظواهر مأثورة و تأويلات محتملة. و وقع لجعفر و أمثاله من أهل البيت كثير من ذلك مستندهم فيه و الله أعلم الكشف بما كانوا عليه من الولاية و إذا كان مثله لا ينكر من غيرهم من الأولياء في ذويهم و أعقابهم و قد قال صلى الله عليه و سلم: إن فيكم محدثين فهم أولى الناس بهذه الرتب الشريفة و الكرامات الموهوبة. و أما بعد صدر الملة و حين علق الناس على العلوم و الاصطلاحات و ترجمت كتب الحكماء إلى اللسان العربي. فأكثر معتمدهم في ذلك كلام المنجمين في الملك و الدول و سائر الأمور العامة من القرانات و في المواليد و المسائل و سائر الأمور الخاصة من الطوالع لها و هي شكل الفلك عند حدوثها فلنذكر الآن ما وقع لأهل الأثر في ذلك ثم يرجع إلى كلام المنجمين. أما أهل الأثر فلهم في مدة الملل و بقاء الدنيا على ما وقع في كتاب السهيلي فإنه نقل عن الطبري ما يقتضي أن مدة بقاء الدنيا منذ الملة خمسمائة سنة و نقص ذلك بظهور كذبه و مستند الطبري في ذلك أنه نقل عن ابن عباس أن الدنيا جمعة من جمع الآخرة و لم يذكر لذلك دليلاً. و سره و الله أعلم تقدير الدنيا بأيام خلق السماوات و الأرض و هي سبعة ثم اليوم بألف سنة لقوله:” وإن يوما عند ربك كألف سنة مما تعدون” و قد ثبت في الصحيحين” : أن رسول الله صلى الله عليه و سلم قال: أجلهم في أجل من كان قبلهم من صلاة العصر إلى غروب الشمس” و قال: “بعثت أنا و الساعة كهاتين “و أشار بالسبابة و الوسطى و قدر ما بين صلاة العصر و غروب الشمس و حين صيرورة ظل كل شيء مثليه يكون على التقريب نصف سبع، و كذلك وصل الوسطى على السبابة فتكون هذه المدة نصف سبع الجمعة كلها و هو خمسمائة سنة و يؤيده قوله صلى الله عليه و سلم: “لن يعجز الله أن يؤخر هذه الأمة نصف يوم” فدل ذلك على أن مدة الدنيا قبل الملة خمسة آلاف و خمسمائة سنة و عن وهب بن منبه أنها خمسة آلاف و ستمائة سنة أعني الماضي و عن كعب أن مدة الدنيا كلها ستة آلاف سنة قال السهيلي: و ليس في الحديثين ما يشهد لشيء مما ذكره مع وقوع الوجود بخلافه فأما قوله: “لن يعجز الله أن يؤخر هذه الأمة نصف يوم” فلا يقتضي نفي أن الزيادة على النصف و أما قوله:” بعثت أنا و الساعة كهاتين” فإنما فيه الإشارة إلى القرب و أنه ليس بينه و بين الساعة نبي غيره و لا شرع غير شرعه ثم رجع السهيلي إلى تعيين أمد الملة من مدرك آخر لو ساعده التحقيق و هو أنه جمع الحروف المقطعة في أوائل السور بعد حذف المكرر قال و هي أربعة عشر حرفاً يجمعها قولك ( ألم يسطع نص حق كره ) فأخذ عددها بحساب الجمل فكان سبعمائة و ثلاثة أضافه إلى المنقضي من الألف الآخر قبل بعثته فهذه هي مدة الملة قال و لا يبعد ذلك أن يكون من مقتضيات هذه الحروف و فوائدها قلت: و كونه لا يبعد لا يقتضي ظهوره و لا التعويل عليه. و الذي حمل السهيلي على ذلك إنما هو ما وقع في كتاب السير لابن إسحاق في حديث ابني أخطب من أخبار اليهود و هما أبو ياسر و أخوه حي حين سمعا من الأحرف المقطعة ( ألم ) و تأولاها على بيان المدة بهذا الحساب فبلغت إحدى و سبعين فاستقلا المدة و جاء حي إلى النبي صلى الله عليه و سلم يسأله: هل مع هذا غيره ؟ فقال ( المص ) ثم استزاد ( الرثم ) ثم استزاد ( المر ) فكانت إحدى و سبعين و مائتين فاستطال المدة و قال: قد لبس علينا أمرك يا محمد حتى لا ندري أقليلاً أعطيت أم كثيراً ثم ذهبوا عنه و قال لهم أبو ياسر ما يدريكم لعله أعطى عددها كلها تسعمائة و أربع سنين قال ابن إسحاق فنزل قولة تعالى: “منه آيات محكمات هن أم الكتاب و أخر متشابهات”. 1 هـ. و لا يقوم من القصة دليل على تقدير الملة بهذا العدد لأن دلالة هذه الحروف على تلك الأعداد ليست طبيعية و لا عقلية و إنما هي بالتواضع و الاصطلاح الذي يسمونه حساب الجمل نعم إنه قديم مشهور و قدم الاصطلاح لا يصير حجة و ليس أبو ياسر و أخوة حي ممن يؤخذ رأيه في ذلك دليلاً و لا من علماء اليهود لأنهم كانوا بادية بالحجاز غفلاً عن الصنائع و العلوم حتى عن علم شريعتهم وفقه كتابهم و ملتهم و إنما يتلقفون مثل هذا الحساب كما تتلقفه العوام في كل ملة فلا ينهض للسهيلي دليل على ما ادعاه من ذلك. و وقع في الملة في حدثان دولتها على الخصوص مسند من الأثر إجمالي في حديث خرجه أبو داود عن حذيفة بن اليمان من طريق شيخه محمد بن يحيى الذهبي عن سعيد بن أبي مريم عن عبد الله بن فروخ عن أسامة بن زيد الليثي عن أبي قبيصة بن ذؤيب عن أبيه قال قال حذيفة بن اليمان: و الله ما أدري أنسي أصحابي أم تناسوه و الله ما ترك رسول الله صلى الله عليه و سلم من قائد فئة إلى أن تنقضي الدنيا لا يبلغ من معه ثلثمائة فصاعداً إلا قد سماه لنا باسمه و اسم أبيه و قبيلته و سكت عليه أبو داود و قد تقدم أنه قال في رسالته ما سكته عليه في كتابه فهو صالح و هذا الحديث إذا كان صحيحاً فهو مجمل و يفتقر في بيان إجماله و تعيين مبهماته إلى آثار أخرى يجود أسانيدها. و قد وقع إسناد هذا الحديث في غير كتاب السنن على غير هذا الوجه فوقع في الصحيحين من حديث حذيفة أيضاً قال: قام رسول الله صلى الله عليه و سلم فينا خطيباً فما ترك شيئاً يكون في مقامه ذاك إلى قيام الساعة إلا حدث عنه حفظه من حفظه و نسيه من نسيه قد علمه أصحابه هؤلاء و لفظ البخاري: ما ترك شيئاً إلى قيام الساعة إلا ذكره و في كتاب الترمذي من حديث أبي سعيد الخدري قال صلى بنا رسول الله صلى الله عليه و سلم يوماً صلاة العصر بنهار ثم قام خطيباً فلم يدع شيئاً يكون إلى قيام الساعة إلا أخبرنا به حفظه من حفظه و نسيه من نسيه و هذه الأحاديث كلها محمولة على ما ثبت في الصحيحين من أحاديث الفتن و الاشتراط لا غير لأنه المعهود من الشارع صلوات الله و سلامه عليه في أمثال هذه العمومات و هذه الزيادة التي تفرد بها أبو داود في هذه الطريق شاذة منكرة مع أن الأئمة اختلفوا في رجاله فقال ابن أبي مريم في ابن فروخ أحاديثه مناكير. و قال البخاري يعرف منه و ينكر و قال ابن عدي أحاديثه غير محفوظة و أسامة بن زيد و أن خرج له في الصحيحين و وثقه ابن معين فإنما خرج له البخاري استشهاداً و ضعفه يحيى بن سعيد و أحمد بن حنبل و قال ابن حاتم يكتب حديثه و لا يحتج به. و أبو قبيضة ابن ذؤيب مجهول. فتضعف هذه الزيادة التي وقعت لأبي داود في هذا الحديث من هذه الجهات مع شذوذها كما مر. و قد يستندون في حدثان الدول على الخصوص إلى كتاب الجفر و يزعمون أن فيه علم ذلك كله من طريق الآثار و النجوم لا يزيدون على ذلك و لا يعرفون أصل ذلك و لا مستنده و اعلم أن كتاب الجفر كان أصله أن هازون بن سعيد العجلي و هو رأس الزيدية كان له كتاب يرويه عن جعفر الصادق و فيه علم ما سيقع لأهل البيت على العموم و لبعض الأشخاص منهم على الخصوص وقع ذلك لجعفر و نظائره من رجالاتهم على طريق الكرامة و الكشف الذي يقع لمثلهم من الأولياء و كان مكتوباً عند جعفر في جند ثور صغير فرواه عنه هارون العجلي و كتبه و سماه الجفر باسم الجلد الذي كتب فيه لأن الجفر في اللغة هو الصغير و صار هذا الاسم علماً على هذا الكتاب عندهم و كان فيه تفسير القرآن و ما في باطنه من غرائب المعاني مروية عن جعفر الصادق. و هذا الكتاب لم تتصل روايته و لا عرف عينه و إنما يظهر منه شواذ من الكلمات لا يصحبها دليل و لو صح السند إلى جعفر الصادق لكان فيه نعم المستند من نفسه أو من رجال قومه فهم أهل الكرامات و قد صح عنه أنه كان يحذر بعض قرابته بوقائع تكون لهم فتصح كما يقول و قد حذر يحيى ابن عمه زيد من مصرعه و عصاه فخرج و قتل بالجوزجان كما هو معروف. و إذا كانت الكرامة تقع لغيرهم فما ظنك بهم علماً و ديناً و آثاراً من النؤة و عناية من الله بالأصل الكريم تشهد لفروعه الطيبة و قد ينقل بين أهل البيت كثير من هذا الكلام غير منسوب إلى أحد و في أخبار دولة العبيديين كثير منه و انظر ما حكاه ابن الرقيق في لقاء أبي عبد الله الشيعي لعبيد الله المهدي مع ابنه محمد الحبيب و ما حدثاه به و كيف بعثاه إلى ابن حوشب داعيتهم باليمن فأمره بالخروج إلى المغرب و بث الدعوة فيه على علمه لقنه أن دعوته تتم هناك و أن عبيد الله لما بنى المهدية بعد استفحال دولتهم بأفريقية قال: ( بنيتها ليعتصم بها الفواطم ساعة من نهار ) و أراهم موقف صاحب الحمار أبي يزيد بالهدية و كان يسأل عن منتهى موقفه حتى جاءه الخبر ببلوغه إلى المكان الذي عينه جده أبو عبيد الله فأيقن بالظفر و برز من البلد فهزمه و اتبعه إلى ناحية الزاب فظفر به و قتله و مثل هذه الأخبار كثيرة. و أما المنجمون فيستندون في حدثان الدول إلى الأحكام النجومية أما في الأمور العامة مثل الملك و الدول فمن القرانات و خصوصاً بين العلويين و ذلك أن العلويين زحل و المشتري يقترنان في كل عشرين سنة مرة ثم يعود القرآن إلى برج آخر في تلك المثلثة من التثليث الأيمن ثم بعده إلى آخر كذلك إلى أن يتكرر في المثلثة الواحدة اثنتي عشرة مرة تستوي بروجه الثلاثة في ستين سنة ثم يعود فيستوي بها في ستين سنة ثم يعود ثالثة ثم رابعة فيستوي في المثلثة باثنتي عشرة مرة و أربع عودات في مائتين و أربعين سنة و يكون انتقاله في كل برج على التثليث الأيمن و ينتقل من المثلثة إلى المثلثة التي تليها أعني البرج الذي يلي البرج الأخير من القرآن الذي قبلة في المثلثة و هذا القرآن الذي هو قران العلويين ينقسم إلى كبير و صغير و وسط فالكبير هو اجتماع العلويين في درجة واحدة من الفلك إلى أن يعود إليها بعد تسعمائة و ستين سنة مرة واحدة و الوسط هو اقتران العلويين في كل مثلثة اثنتي عشرة مرة و بعد مائتين و أربعين سنة ينتقل إلى مثلثة أخرى و الصغير هو اقتران العلويين في درجة برج و بعد عشرين سنة يقترنان في برج آخر على تثليثه الأيمن في مثل درجه أو دقائقه مثال ذلك وقع القرآن يكون أول دقيقة من الحمل و بعد عشرين يكون في أول دقيقة من الأسد و هذه كلها نارية و هذا كله قران صغير ثم يعود إلى أول الحمل بعد ستين سنة و يسمى دور القران و عود القران و بعد مائتين و أربعين ينتقل من النارية إلى الترابية لأنها بعدها و هذا قران وسط ثم ينتقل إلى الهوائية ثم المائية ثم يرجع إلى أول الحمل في تسعمائة و ستين سنة و هو الكبير و القران الكبير يدل على عظام الأمور مثل تغيير الملك و الدولة و انتقال الملك من قوم إلى قوم و الوسط على ظهور المتغلبين و الطالبين للملك و الصغير على ظهور الخوارج والدعاة و خراب المدن أو عمرانها و يقع في أثناء هذه القرانات قران النحسين في برج السرطان في كل ثلاثين سنة مرة و يسمى الرابع و برج السرطان هو طالع العالم و فيه و بال زحل و هبوط المريخ فتعظم دلالة هذا القران في الفتن و الحروب و سفك الدماء و ظهور الخوارج و حركة العساكر و عصيان الجند و الوباء و القحط و يدوم ذلك أو ينتهي على قدر السعادة و النحوسة في وقت قرانهما على قدر تيسير الدليل فيه. قال جراس بن أحمد الحاسب في الكتاب الذي ألفه لنظام الملك و رجوع المريخ إلى العرب له أثر عظيم في الملة الإسلامية لأنه كان دليلها فالمولد النبوي كان عند قران العلويين ببرج العقرب فلما رجع هنالك حدث التشويش على الخلفاء و كثر المرض في أهل العلم و الدين و نقصت أحوالهم و ربما انهدم بعض بيوت العبادة و قد يقال أنه كان عند قتل علي رضي الله عنه و مروان من بني أمية و المتوكل من بني العباس فإذا روعيت هذه الأحكام مع أحكام القرانات كانت في غاية الإحكام و ذكر شاذان البلخي: أن الملة تنتهي إلى ثلاثمائة و عشرين. و قد ظهر كذب هذا القول. و قال أبو معشر: يظهر بعد المائة و الخمسين منها اختلاف كثير و لم يصح ذلك. و قال خراشى: رأيت في كتب القدماء أن المنجمين أخبروا كسرى عن ملك العرب و ظهور النبؤة فيهم. و أن دليلهم الزهرة و كانت في شرفها فيبقى الملك فيهم أربعين سنة و قال أبو معشر في كتاب القرانات القسمة إذا انتهت إلى السابعة و العشرين من الحوت فيها شرف الزهرة و وقع القران مع ذلك ببرج العقرب و هو دليل الرب ظهرت حينئذ دولة العرب و كان منهم نبي و يكون قوة ملكه و مدته على ما بقي من درجات شرف الزهرة و هي إحدى عشرة درجة بتقريب من برج الحوت و مدة ذلك ستمائة و عشر سنين و كان ظهور أبي مسلم عند انتقال الزهرة و وقوع القسمة أول الحمل و صاحب الجد المشتري. و قال يعقوب بن إسحاق الكندي أن مدة الملة تنتهي إلى ستمائة و ثلاثاً و تسعين سنة. قال: لأن الزهرة كانت عند قران الملة في ثمان و عشرين درجة و ثلاثين دقيقة من الحوت فالباقي إحدى عشرة درجة و ثمان عشرة دقيقة و دقائقها ستون فيكون ستمائة و ثلاثاً و تسعين سنة. قال: و هذه مدة الملة باتفاق الحكماء و يعضده الحروف الواقعة في أول السور بحذف المكرر و اعتبار بحساب الجمل. قلت و هذا هو الذي ذكره السهيلي و الغالب أن الأول هو مستند السهيلي فيما نقلناه عنه. قال خراش: سأل هرمز إفريد الحكيم عن مدة أردشير و ولده ملوك الساسانية فقال: دليل ملكه المشتري و كان في شرفه فيعطى أطول السنين و أجودها أربعمائة و سبعاً و عشرين سنة ثم تزيد الزهرة و تكون في شرفها و هي دليل العرب فيملكون لأن طالع القران الميزان و صاحبه الزهرة و كانت عند القران في شرفها مدة انهم يملكون ألف سنة و ستين سنة. و سأل كسرى أنوشروان وزيره بزر جمهر الحكيم عن خروج الملك من فارس إلى العرب فأخبره أن القائم منهم يولد لخمس و أربعين من دولته و يملك المشرق و المغرب و المشتري يغوص إلى الزهرة و ينتقل القران من الهوائية إلى العقرب و هو مائي و هو دليل العرب فهذه الأدلة تفضي للملة بمدة دور الزهرة و هي ألف و ستون سنة. و سأل كسرى الوزير أليوس الحكيم عن ذلك فقال مثل قول بزر جمهر. و قال توفيل الرومي المنجم في أيام بني أمية: أن ملة الإسلام تبقى مدة القران الكبير تسعمائة و ستين سنة فإذا عاد القران إلى برج العقرب كما كان في ابتداء الملة و تغير وضع الكواكب عن هيئتها في قران الملة فحينئذ إما أن يفتر العمل به أو يتجدد من الأحكام ما يوجب خلاف الفن. قال خراش: و اتفقوا على أن خراب العالم يكون باستيلاء الماء و النار حتى تهلك سائر المكونات و ذلك عندما يقطع قلب الأسد أربعاً و عشرين درجة و هي حد المريخ، و ذلك بعد مضي تسعمائة و ستين سنة. و ذكر خراش: أن ملك زابلستان بعث إلى المأمون بحكيمه ذوبان أتحفه به في هدية و أنه تصرف للمأمون في الاختيارات بحروب أخيه و بعقد اللواء لطاهر و أن المأمون أعظم حكمته فسأله عن مدة ملكهم فأخبره بانقطاع الملك من عقبه و اتصاله في ولد أخيه و أن العجم يتغلبون على الخلافة من الديلم في دولة سنة خمسين و يكون ما يريده الله ثم يسوء حالهم ثم تظهر الترك من شمالي المشرق فيملكون إلى الشام و الفرات و سيحون و سيملكون بلاد الروم و يكون ما يريده الله فقال له المأمون: من أين لك هذا ؟ فقال: من كتب الحكماء و من أحكام صصة بن داهر الهندي الذي وضع الشطرنج. قلت و الترك الذين أشار إلى ظهورهم بعد الديلم هم السلجوقية و قد انقضت دولتهم أول القرن السابع. قال خراش: و انتقال القران إلى المثلثة المائية من برج الحوت يكون سنة ثلاث و ثلاثين و ثمانمائة ليزدجرد و بعدها إلى برج العقرب حيث كان قران المئة سنة ثلاث و خمسين. قال: و الذي في الحوت هو أول الانتقال و الذي في العقرب يستخرج منه دلائل الملة. قال: و تحويل السنة الأولى من القران الأول في المثلثات المائية في ثاني رجب سنة ثمان و ستين و ثمانمائة و لم يستوف الكلام على ذلك. و أما مستند المنجمين في دولة على الخصوص فمن القران الأوسط و هيئة الفلك عند وقوعه لأن له دلالة عندهم على حدوث الدولة و جهاتها من العمران و القائمين بها من الأمم و عدد ملوكهم و أسمائهم و أعمارهم و نحلهم و أديانهم و عوائدهم و حروبهم كما ذكر أبو معشر في كتابه في القرانات و قد توجد هذه الدلالة من القران الأصغر إذا كان الأوسط دالاً عليه فمن يوجد الكلام في الدول و قد كان يعقوب بن إسحاق الكندي منجم الرشيد و المأمون وضع في القرانات الكائنة في الملة كتاباً سماه الشيعة بالجفر باسم كتابهم المنسوب إلى جعفر الصادق و ذكر فيه فيما يقال حدثان: دولة بني العباس و أنها نهايته و أشار إلى انقراضها و الحادثة على بغداد أنها تقع في انتصاف المائة السابعة و أنه بانقراضها يكون انقراض الملة و لم نقف على شيء من خبر هذا الكتاب و لا رأينا من وقف عليه و لعله غرق في كتبهم التي طرحها هلاكو ملك التتر في دجلة عند استيلائهم على بغداد و قتل المستعصم آخر الخلفاء و قد وقع بالمغرب جزء منسوب إلى هذا الكتاب يسمونه الجفر الصغير و الظاهر أنه وضع لبني عبد المؤمن لذكر الأولين من ملوك الموحدين فيه على التفصيل و مطابقة من تقدم عن ذلك من حدثانه و كذب ما بعده و كان في دولة بني العباس من بعد الكندي منجمون و كتب في الحدثان و انظر ما نقله الطبري في أخبار المهدي عن أبي بديل من أصحاب صنائع الدولة قال بعث إلي الربيع و الحسن في غزاتهما مع الرشيد أيام أبيه فجئتهما جوف الليل فإذا عندهما كتاب من كتب الدولة يعني الحدثان و إذا مدة المهدي فيه عشر سينين فقلت: هذا الكتاب لا يخفى على المهدي و قد مضى من دولته ما مضى فإذا وقف عليه كنتم قد نعيتم إليه نفسه. قالا فما الحيلة فاستدعيت عنبسة الوراق مولى آل بديل و قلت له انسخ هذه الورقة و اكتب مكان عشر أربعين ففعل فو الله لولا أني رأيت العشرة في تلك الورقة و الأربعين في هذه ما كنت أشك أنها هي ثم كتب الناس من بعد ذلك في حدثان الدول منظوماً و منثوراً و رجزاً ما شاء الله أن يكتبوه و بأيدي الناس متفرقة كثير منها و تسمى الملاحم. و بعضها في حدثان الملة على العموم و بعضها في دولة على الخصوص و كلها منسوبة إلى مشاهير من أهل الخليقة و ليس منها أصل يعتمد على روايته عن واضعه المنسوب إليه فمن هذه الملاحم بالمغرب قصيدة ابن مرانة من بحر الطويل على روي الراء و هي متداولة بين الناس و تحسب العامة أنها من الحدثان العام فيطلقون الكثير منها على الحاضر و المستقبل و الذي سمعناه من شيوخنا أنها مخصوصة بدولة لمتونه لأن الرجل كان قبيل دولتهم و ذكر فيها استيلاءهم على سبتة من يد موالي بني حمود و ملكهم لعدوة الأندلس و من الملاحم بيد أهل المغرب أيضاً قصيدة تسمى التبعية أولها: طربت و ما ذاك مني طرب و قد يطرب الطائر المغتصب و ما ذاك مني للهو أراه و لكن لتذكار بعض السبب قريباً من خمسمائة بيت أو ألف فيما يقال ذكر فيها كثيراً من دولة الموحدين و أشار فيها إلى الفاطمي و غيره و الظاهر أنها مصنوعة و من الملاحم بالمغرب أيضاً ملعبة من الشعر الزجلي منسوبة لبعض اليهود ذكر فيها أحكام القرانات لعصره العلويين و النحسين و غيرهما و ذكر ميتته قتيلاً بفاس و كان كذلك فيما زعموه و أوله: في صبغ ذا الأزرق لشرفه خيارا ///// فافهموا يا قوم هذي الاشارا نجم زحل اخبر بذي العلاما و بدل الشكلا و هي سلاما شاشية زرقا بدل العماما و شاش أزرق بدل الغرارا يقول في آخره قد تم ذا التجنيس لإنسان يهودي ///// يصلب في بلدة فاس في يوم عيد حتى يجيه الناس من البوادي ///// و قتله يا قوم على الفراد و أبياته نحو الخمسمائة و هي في القرانات التي دلت على دولة الموحدين و من ملاحم المغرب أيضاً قصيدة من عروض المتقارب على روي الباء في حدثان دولة بني أبي حفص بتونس من الموحدين منسوبة لابن الأبار. و قال لي قاضي قسنطينية الخطيب الكبير أبو علي بن باديس و كان بصيراً بما يقوله و له قدم في التنجيم فقال لي: أن هذا ابن الأبار ليس هو الحافظ الأندلسي الكاتب مقتول المستنصر و إنما هو رجل خياط من أهلي تونس تواطأت شهرته مع شهرة الحافظ و كان والدي رحمه الله تعالى ينشد هذه الأبيات من هذه الملحمة و بقي بعضها في حفظي مطلعها: عذيري من زمن قلب ///// يغز ببارقه الأشنب و منها. و يبعث من جيشه قائداً ///// و يبقى هناك على مرقب فتأتي إلى الشيخ أخباره فيقبل كالجمل الأجرب و يظهر من عدله سيرة و تلك سياسة مستجلب و منها في ذكر أحوال تونس على العموم. فأما رأيت الرسوم امحت ///// و لم يرع حق لذي منصب فخذ في الترحل عن تونس ///// وودع معالمها و اذهب فسوف تكون بها فتنة ///// تضيف البريء إلى المذنب و وقفت بالمغرب على ملحمة أخرى في دولة بني أبي حفص هؤلاء بتونس فيها بعد السلطات أبي يحيى الشهير عاشر ملوكهم ذكر محمد أخيه من بعده يقول فيها: و بعد أبي عبد الإله شقيقه و يعرف بالوثاب في نسخة الأصل إلا أن هذا الرجل لم يملكها بعد أخيه و كان يمني بذلك نفسه إلى أن هلك و من الملاحم في المغرب أيضاً الملعبة المنسوبة إلى الهوثني على لغة العامة في عروض البلد: دعني بدمعي الهتان ///// فترت الأمطار و لم تفتر و استقت كلها الويدان ///// و انى تملى و تغدر البلاد كلما تروي ///// فأولى ما ميل ما تدري ما بين الصيف و الشتوي ///// و العام و الربيع تجري قال حين صحت الدعوى ///// دعنى نبكي و من عذر أنادي من ذي الأزمان ///// ذا القرن اشتد و تمري و هي طويلة و محفوظة بين عامة المغرب الأقصى و الغالب عليها الوضع لأنه لم يصح منها قول إلا على تأويل تحرفه العامة أو الحارف فيه من ينتحلها من الخاصة و وقفت بالمشرق على ملحمة منسوبة لأبي العربي الحاتمي في كلام طويل شبه الألغاز لا يعلم تأويله إلا الله لتحلله إلى أوفاق عددية و رموز ملغوزة و أشكال حيوانات تامه و رؤوس مقطعة و تماثيل من حيوانات غريبة. و في آخرها قصيدة على روي اللام و الغالب أنها كلها غير صحيحة لأنها لم تنشأ عن أصل علمي من نجامة و لا غيرها و سمعت أيضاً أن هناك ملاحم أخرى منسوبة لابن سيناء و ابن عقاب و ليس في شيء معها دليل على الصحة لأن ذلك إنما يؤخذ من القرانات و وقفت بالمشرق أيضاً على ملحمة من حدثان دولة الترك منسوبة إلى رجل من الصوفية يسمى الباجر بقي و كلها إلغاز بالحروف أولها. إن شئت تكسف سر الجفر يا سائلي ///// من علم جفر و صي والد الحسن فافهم و كن و اعياً حرفاً و جملته ///// و الوصف فافهم كفعل الحاذق الفطن أما الذي قبل عصري لست أذكره ///// لكنني أذكر الآتي من الزمن يشهر بيبرس يبقى بعد خمستها ///// بحاء ميم بطيش نام في الكنن شين له أثر من تحت سرته ///// له القضاء قضى أي ذلك المنن فمصر و الشام مع أرض العراق له ///// و أذربيجان في ملك إلى اليمن و منها: و آل بوران لما نال طاهرهم ///// الفاتك الباتك المعني بالسمن لخلع سين ضعيف السن سين أتى ///// لا لو فاق و نوت ذي قرن قوم شجاع له عقل و مشورة ///// يبقى بحاء و أين بعد ذو سمن و منها: من بعد باء من الأعوام قتلته ///// يلي المشورة ميم الملك ذو اللسن و منها: هذا هو الأعرج الكلبي فاعن به ///// في عصره فتن ناهيك من فتن يأتي من الشرق في جيش يقدمهم ///// عار عن القاف قاف جد بالفتن بقتل دال و مثل الشام أجمعها ///// أبدت بشجو على الأهلين و الوطن إذا أتى زلزلت يا ويح مصر مـ ///// ن الزلزال ما زال حاء غير مقتطن طاء و ظاء و عين كلهم حبسوا ///// هلكاً و ينفق أموالاً بلا ثمن يسير القاف قافاً عند جمعهم ///// هون به إن ذاك الحصن في سكن و ينصبون أخاه و هو صالحهم ///// لا سلم الألف سين لذاك بني تمت ولايتهم بالحاء لا أحد ///// من السنين يداني الملك في الزمن و يقال أنه أشار إلى الملك الظاهر و قدوم أبيه عليه بمصر: يأتي إليه أبوه بعد هجرته ///// و طول غيبته و الشطف و الزرن و أبياتها كثيرة و الغالب أنها موضوعة و مثل صنعتها كان في القديم كثير و معروف للانتحال. حكى المؤرخون لأخبار بغداد أنه كان بها أيام المقتدر وراق ذكي يعرف بالدانالي يبل الأوراق و يكتب فيها بخط عتيق يرمز فيه بحروف من أسماء أهل الدولة و يشير بها إلى ما يعرف ميلهم إليه من أحوال الرفعة و الجاه كأنها ملاحم و يحصل على ما يريده منهم من الدنيا و أنه وضع في بعض دفاتره ميماً مكررة ثلاث مرات و جاء به إلى مفلح مولى المقتدر. فقال له هذا كناية عنك و هو مفلح مولى المقتدر و ذكر عنه ما يرضاه و يناله من الدولة و نصب لذلك علامات يموه بها عليه فبدل له ما أغناه به ثم وضعه للوزير ابن القاسم بن وهب على مفلح هذا و كان معزولاً فجاءه بأوراق مثلها و ذكر اسم الوزير بمثل هذه الحروف و بعلامات ذكرها و أنه يلي الوزارة للثاني عشر من الخلفاء و تستقيم الأمور على يديه و يقهر الأعداء و يغير الدنيا في أيامه و أوقف مفلحاً هذا على الأوراق و ذكر فيها كوائن أخرى و ملاحم من هذا النوع مما وقع و مما لم يقع و نسب جميعه إلى دانيال فأعجب به مفلح. و وقف عليه المقتدر و اهتدى من تلك الأمور و العلامات إلى ابن وهب و كان ذلك سبباً لوزارته بمثل هذه الحيلة العريقة في الكذب و الجهل بمثل هذه الألغاز و الظاهر أن هذه الملحمة التي ينسبونها إلى الباجربقي من هذا النوع و لقد سألت أكمل الدين ابن شيخ الحنفية من العجم بالديار المصرية عن هذه الملحمة و عن هذا الرجل الذي تنسب إليه من الصوفية و هو الباجربقي و كان عارفاً بطرائقهم فقال كان من القلندرية المبتدعة في حلق اللحية و كان يتحدث عما يكون بطريق الكشف و يومي إلى رجال معينين عنده و يلغز عليهم بحروف يعينها في ضمنها لمن يراه منهم و ربما يظهر نظم ذلك في أبيات قليلة كان يتعاهدها فتنوقلت عنه و ولع الناس بها و جعلوها ملحمة مرموزة و زاد فيها الخراصون من ذلك الجنس في كل عصر و شغل العامة بفك رموزها و هو أمر ممتنع إذ الرمز إنما يهدي إلى كشفه قانون يعرف قبله و يوضع له و أما مثل هذه الحروف فدلالتها على المراد منها مخصوصة بهذا النظم لا يتجاوزوه فرأيت من كلام هذا الرجل الفاصل شفاء لما كان في النفس من أمر هذه الملحمة و ما كنا لنهتدي لولا أن هدانا الله و الله سبحانه و تعالى أعلم و به التوفيق.